قمة عمان- تعاون إسلامي لمواجهة داعش وتحديات سوريا الأمنية

في خضم تصاعد التوترات الداخلية في سوريا، اجتمع ممثلو الدول الخمس المعنية في العاصمة الأردنية عمّان، في مشهد لفت أنظار العالم وأثار التساؤلات حول مستقبل الأزمة السورية.
في هذا الظرف الدقيق، لم يكن اجتماع وزراء الخارجية والدفاع، بالإضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات من هذه الدول، إلا محط اهتمام بالغ، وذلك لمناقشة مستجدات القضية السورية وتبعاتها الإقليمية والدولية.
وفي تصريح خاص لموقع الجزيرة نت، صرح مسؤول تركي رفيع المستوى حول أهمية هذا اللقاء قائلاً: "
لأول مرة، تتضافر جهود خمس دول إسلامية للتصدي لتنظيم الدولة في الأراضي السورية. فلطالما كانت الولايات المتحدة أو الدول الغربية هي المحرك الرئيسي لهذه المهمة، إلا أن دوافعها الحقيقية كانت محل شكوك. لم يكن هدفها قط دحر التنظيم بشكل قاطع.
وأضاف المسؤول التركي: "في هذا الاجتماع، يقتصر جدول أعمالنا على مكافحة تنظيم الدولة ودعم الحكومة السورية في هذا المسعى. نتطلع إلى أن يكون هذا الاجتماع بمثابة انطلاقة جادة نحو التعاون في ملفات أخرى ذات أهمية.".
إلى جانب تركيا، ضمت قائمة الدول المشاركة كلًا من العراق، ولبنان، والأردن، وهي الدول الأكثر تضررًا من تداعيات الوضع المتأزم في سوريا، نظرًا لقربها الجغرافي وتأثرها المباشر بالأحداث. وكما ورد في البيان الختامي للاجتماع، لم يقتصر التعاون بين هذه الدول على محاربة تنظيم الدولة فحسب، بل امتد ليشمل مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، ومكافحة الاتجار بالبشر، وتأمين الحدود، والتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ذريعة الولايات المتحدة ستسقط
لطالما اتخذت الولايات المتحدة من مكافحة تنظيم الدولة ذريعة لتبرير وجود قواتها على الأراضي السورية، وتسليحها لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تربطها علاقات وثيقة بتنظيمات إرهابية مصنفة.
وبالرغم من إعلان الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، عن نيته سحب القوات الأميركية من سوريا عقب الثورة، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أصرت على استمرار الوجود العسكري، بحجة وجود مقاتلين من تنظيم الدولة محتجزين مع عائلاتهم في مخيمات تخضع لحراسة وحدات حماية الشعب، مما يستدعي تقديم الدعم لهذه الميليشيات.
وفي ميزانية عام 2024، رصدت الولايات المتحدة مبلغًا قدره 398 مليون دولار لمكافحة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، خُصص منها 156 مليون دولار لوحدات حماية الشعب لإدارة السجون والمخيمات التي تأوي مقاتلي التنظيم وعائلاتهم. وتجاوز الأمر ذلك إلى إنشاء وحدات مسلحة تابعة لهذه الميليشيات، وتزويدها بآلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة، تحت غطاء استخدامها في محاربة التنظيم.
وفي المقابل، عرضت تركيا إرسال كتيبتين من قواتها لتأمين المخيمات والسجون التي تحتجز عائلات مقاتلي تنظيم الدولة والمعتقلين منهم، إلا أن هذا العرض قوبل بتجاهل من الجانب الأميركي.
واليوم، تتفق الأطراف المعنية على أن المبرر الذي تتذرع به الولايات المتحدة للبقاء في سوريا لم يعد قائمًا، ولم يعد هناك ما يبرر استمرار وجودها العسكري على الأراضي السورية. وفي خطوة لإسقاط هذه الذريعة الواهية، اتفقت الدول الخمس على إنشاء آلية مشتركة لتولي مسؤولية مكافحة تنظيم الدولة بشكل فعال.
البند الأهم في البيان الختامي
كان البند الخامس في البيان الختامي الصادر في 9 مارس/آذار، هو الأكثر إثارة للجدل، حيث نص على ما يلي:
"إدانة قاطعة لجميع أشكال الإرهاب، والتعاون الوثيق في مكافحة الإرهاب على الأصعدة العسكرية والأمنية والفكرية."
كما أكد المشاركون التزامهم الراسخ بالقضاء على خطر تنظيم الدولة الذي يهدد الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة والعالم، ودعم الجهود الدولية المبذولة لتحقيق هذا الهدف. وتم الاتفاق أيضًا على إنشاء مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون، ومعالجة كافة القضايا المتعلقة بسجون تنظيم الدولة.".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يعني إنشاء "مركز العمليات" المشار إليه في البيان، نشر قوات عسكرية على الأرض أو تنفيذ عمليات عسكرية؟ المسؤولون المشاركون في الاجتماع ينفون ذلك بشكل قاطع، ولكن يبقى التساؤل قائمًا: ما هي طبيعة المساعدة التي ستقدم لسوريا في مواجهة هجمات التنظيم؟
الراجح أن الدعم سيتركز على توفير الدعم اللوجستي والمالي اللازم لإدارة المخيمات والسجون. ولتوضيح المزيد من التفاصيل، تقرر عقد اجتماع آخر في تركيا خلال شهر أبريل/نيسان القادم.
من المقرر أن يتخذ مركز العمليات من الأراضي السورية مقرًا رئيسيًا له، وأن يخضع لإشراف الحكومة السورية بشكل كامل. كما تم طرح فكرة إنشاء هيكل مماثل في العراق، حيث تستند الولايات المتحدة إلى الذريعة نفسها لتبرير وجودها العسكري في القواعد العسكرية هناك. إلا أن الحكومة العراقية لم تبدِ حماسًا للفكرة في الوقت الحالي، ومن المتوقع أن يتم إعادة طرحها في الاجتماعات المقبلة.
إدانة الاحتلال الإسرائيلي
لم يقتصر اجتماع عمّان على مناقشة الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب، بل شهد أيضًا إدانة صريحة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، مع المطالبة بإنهاء هذا الاحتلال بشكل فوري.
وجاء في البيان الختامي:
"إدانة ورفض قاطع للعدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية، واعتباره انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وتعديًا صارخًا على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وتصعيدًا خطيرًا قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات في المنطقة."
كما دعا المجتمعون المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياتهما الكاملة لضمان تطبيق القانون الدولي، ووضع حد للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، وإجبار إسرائيل على الانسحاب الفوري من جميع الأراضي السورية المحتلة. وطالبوا إسرائيل بوقف هجماتها العشوائية، والالتزام الصارم باتفاقية فصل القوات الموقعة بين سوريا وإسرائيل عام 1974.".
في سياق متصل، دعت الولايات المتحدة وروسيا إلى عقد اجتماع طارئ في مجلس الأمن الدولي، لبحث التطورات المتسارعة في الأراضي السورية.
أمن الحدود ومكافحة الجريمة المنظمة
تعتبر الحدود الأردنية واللبنانية الأكثر تضررًا جراء حالة عدم الاستقرار التي تشهدها سوريا، حيث تفاقمت عمليات تهريب المخدرات والأسلحة بشكل ملحوظ، وهي العمليات التي عجز نظام الأسد عن السيطرة عليها، خاصة بعد الكشف عن تورط أفراد من عائلته في عمليات تصنيع المخدرات والاتجار بها.
وقد تصدرت هذه القضية قائمة الملفات التي تم طرحها خلال اجتماع عمّان.
وجاء في المادة السادسة من البيان الختامي:
"التعاون الوثيق في مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة والجريمة المنظمة، وتقديم الدعم والمساعدة اللازمة لتعزيز قدرات سوريا في هذه المجالات الحيوية.".
كما تضمن البيان الختامي قضايا أخرى ذات أهمية، مثل إعادة إعمار سوريا، وتعزيز التبادل التجاري، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين الدول المعنية.
يكتسب هذا الاجتماع أهمية استثنائية كونه يمثل المرة الأولى التي تتكاتف فيها الدول الإسلامية فيما بينها لمواجهة تنظيم الدولة، مما يثير تساؤلات مشروعة حول إمكانية توسيع نطاق هذا التعاون ليشمل قضايا أخرى في المستقبل القريب.
من جانبها، تولي تركيا أهمية قصوى للإسراع في إنشاء الآلية الجديدة وتفعيلها على أرض الواقع. ومن المقرر أن تستضيف تركيا الاجتماع الثاني لوزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات خلال شهر أبريل/نيسان المقبل.